مجلة المعرفة مقال بعنوان : التعلم الإلكتروني عن بعد في الجامعات السعودية تجويد التعليم أم تعليم الجماهير؟
. بدر عبدالله الصالح ❊ ـ الرياض :
رغم أن التعليم عن بعد (بالمراسلة) بدأ مبكرًا (في السويد،1833م، وفي الولايات المتحدة،1883م)، ورغم نجاح بعض تطبيقات التعليم الجامعي المفتوح منذ عام 1969م (الجامعة البريطانية المفتوحة على سبيل المثال)، إلا أن السنوات العشر الأخيرة شهدت نموًا غير مسبوق في هذا النوع من التعليم. فعلى سبيل المثال، عقد في عام 1998م أكثر من (50) مؤتمرًا في التعليم عن بعد (1).
حتى سنوات قليلـة، لـم تكـن مفاهيم التعليم العالي بلا حدود، والمدينة الجامعية الإلكترونية، والجامعة الافتراضية، وجامعة الإنترنت وغيرها شائعة في أوساط التعليم الجامعي والعالي، ولكنها ظاهرة حديثة تزامنت مع النمو الضخم في إمكانات تقنية الاتصال والمعلومات، خصوصًا تقنية الإنترنت وتطبيقاتها على الشبكة العنكبوتية في أواسط وأواخر التسعينيات الميلادية من القرن الماضي(2).
ومع بزوغ عصر المعرفة، يمكن القول إن عصرًا جديدًا في تاريخ التعليم الجامعي قد بدأ. ففي عام 2000م درس أكثر من (70) مليون شخص في قطاعات التعليم والتدريب بوساطة الإنترنت(3). وفي عام 2001م قدمت كليات وجامعات وشركات في (130) دولة أكثر من (50.000) مقرر للتعليم عن بعد بأساليب متنوعة من بينها التعلم الإلكتروني(4). كما أن سوق التعليم عن بعد الذي يقدم درجات علمية بوساطة الإنترنت ينمو بنسبة (40%) سنويًا(5)، حتى الجامعات المرموقة بدأت تقدم برامج أكاديمية افتراضية. جامعة هارفارد، على سبيل المثال، حققت حوالي (150) مليون دولار من عائدات برنامج التعليم عن بعد الذي يخدم حوالي (60.000) طالب وطالبة متفرغين جزئيًا(6).
وتقدر مؤسسة البيانات الدولية أن حوالي مليوني طالب درسوا مقررات جامعية على الإنترنت في الولايات المتحـدة؛ ومن جهـة أخـرى، أسس الاتحـاد الأوروبي خطـة إلكترونيـة بعنـوان «جامعات القرن الحادي والعشرين»، وهي عبارة عن ائتلاف جامعات أوروبية لنقل التعليم الجامعي إلى الطلاب في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية رصد لها (13.3) بليون دولار(7).
مؤشرات نمو التعلم الإلكتروني الجامعي عن بعد:
تؤثر تقنية المعلومات والاتصالات (ICT) حاليًا بجميع أوجه النشاط البشري تقريبًا بما في ذلك مجالات التعليم والتدريب. ويبدو أن تأثير تقنية الاتصالات والمعلومات في هذه المجالات سيتعاظم في المستقبل بناءً على العديد من المؤشرات من بينها:
– ظهور العديد من مشاريع التعلم الإلكتروني عن بعد في المدارس والجامعات في العالم.
– تنامي الاستثمار في سوق التعلم الإلكتروني حيث يوجد آلاف المقررات الإلكترونية حول العالم يمكن أن يدرسها الفرد من المنزل(8).
– توقعات بنمو الاستثمارات في التدريب الإلكتروني من (6.6) بليون دولار في عام 2002م إلى حوالي (23.7) بليون دولار في عام 2007م(9).
– بروز ظاهرة الجامعة الافتراضية أو المدينة الجامعية الإلكترونية بنماذج تنظيمية مختلفة (ائتلاف، وسيط.. الخ)، ووجود عشرات الجامعات التقليدية التي تقدم تعليمًا إلكترونيًا عن بعد على المستويات المحلية والإقليمية والدولية(10)، (11).
حاليًا، ربما يصعب الإشارة إلى دولة ما في العالم أجمع تقريبًا لا يوجد فيها نوع أو آخر من أنظمة التعليم عن بعد، فقد انتشرت جامعات التعليم عن بعد والتعلم المفتوح والتعليم الافتراضي في أغلب الدول من أقصى العالم في أستراليا إلى آسيا وإفريقيا ومن أوروبا إلى الأمريكيتين. كما بدأت العديد من الجامعات تدعم إلزامية التوسع في استخدام تقنيات التعليم لتحسين التعليم وجهًا لوجه، وكذلك تقديم مقررات كاملة على الإنترنت، إضافة إلى أن عدد الطلاب الراغبين في الدراسة بوساطة الإنترنت ينمو بشكل كبير.
التأثير متعدد الأبعاد لتقنية الاتصال والمعلومات في التعليم الجامعي:
تشير الأدبيات ذات العلاقة إلى أن دور تقنية الاتصال والمعلومات في التعليم الجامعي سيكون له تأثير متعدد الأبعاد:
– الإتاحة عن بعد للمعلومات والمصادر البشرية والخدمات التربوية والتقنيات.
– الأكاديمية الرقمية، حيث أصبح التعليم في المدن الجامعية مزيجًا من محاضرات تقليدية، وعروض حاسوبية، ومفردات ومقررات على الشبكة العنكبوتية، وقراءات وواجبات ومصادر إلكترونية، إضافة لإنجاز عمليات التسجيل والحصول على السجل الأكاديمي بوسائل إلكترونية.
– إذابة الحدود الفاصلة بين التعليم في المدينة الجامعية والتعليم عن بعد، نظرًا لشيوع تطبيق مفهوم التعلم المرن، حيث تستخدم التقنيات في القاعات الدراسية من جهة، وجعل التعليم متاحًا في مواقع وأوقات مختلفة من جهة أخرى، مما يعني أن الحدود الفاصلة بين التعليم في المدينة الجامعية والتعليم عن بعد ستصبح أقل وضوحًا أو أكثر ضبابية.
– التكلفة الاقتصادية، حيث ينظر إلى دور تقنية الاتصال والمعلومات في تقليل التكلفة للساعة الدراسية من خلال تقليل عدد أعضاء هيئة التدريس، وتحسين الكفاءة في محاولة لمحاكاة نماذج الإدارة في قطاع الأعمال والصناعة، مثل مفهوم المنظمة الافتراضية.
– الشفافية الافتراضية، حيث تعمل تقنية الاتصال والمعلومات على جعل المناقشات الصفية ومفردات المقررات مرئية للعالم أجمع، رغم إمكانية حجبها من خلال جدران إلكترونية.
– ثقافة التقنيات الجديدة، فالتقنيات الحالية ليست محايدة بالنسبة للقيم كناقلات للحقائق والمعلومات، وإنما تحمل قيم ومعتقدات وأولويات منتجيها، مما يعني ضرورة المحافظة على التوازن بين الخصوصية الثقافية والثقافات الأخرى.
– حقوق الطبع والنشر والملكية الفكرية، حيث تشكل التطبيقات الجديدة للتعلم الإلكتروني تحديًا للنظام التقليدي الخاص بتلك الحقوق، فالاحتمال قائم لنقل نظام تعليمي مخصص لمجموعة معينة من المتعلمين إلى جمهور عريض.
– ازدياد المنافسة بين مؤسسات التعليم العالي وإعادة تعريف مكان التعلم، حيث إن توفير التعلم الإلكتروني في الجامعات التقليدية سيضعها في تنافس بعضها مع بعض ومع القطاع الخاص الذي يقدم برامج تعليم وتدريب تنافس ما يقدم في تلك الجامعات، مما يعني ضمنًا إعادة تشكيل جغرافية التعليم العالي، وإعادة تعريف مكان التعلم.
التعلم الإلكتروني الجامعي عن بعد بين أهداف تقليدية وأهداف جديدة:
تاريخيًا، استخدم التعليم عن بعد أساسًا لتوفير فرص التعليم الجامعي للكبار الذين لم يحصلوا عليها بسبب صعوبة انتظامهم في الدراسة في المدينة الجامعية نظرًا لظروف العمل أو البعد الجغرافي، وهذا يعني أن الأهداف التقليدية للتعليم عن بعد لم تكن أصلاً بديلًا عن التعليم وجها لوجه في قاعات الدراسة. حاليًا، يلحظ المتابع لمشاريع التعلم الإلكتروني عن بعد تغيرًا في توجهاته، ففي عصر المعرفة ازداد عدد الراغبين في التعلم الإلكتروني عن بعد ممن هم في عمر التعليم الجامعي (خريجي الثانوية) مما يعني أن الأهداف التقليدية للتعلم عن بعد تشهد تحولًا من إتاحة التعلم الجامعي للمتعلمين الكبار في مناطق نائية إلى أهداف تتعلق بتلبية حاجات سوق العمل وتحسين نوعية التعليم، وإتاحة الفرصة لجميع الراغبين في التعليم الجامعي. باختصار، لم تعد مبررات التعليم عن بعد هي ذاتها التي سيطرت في العقود الماضية وإنما أضيفت إليها أهداف جديدة حتمتها جملة من التحديات التي تمثل مبررًا كافيًا للمضي قدمًا في التعلم الإلكتروني عن بعد. أبرز هذه التحديات هي:
– التأثير الضخم لتقنية المعلومات والاتصال على خدمات عديدة في المجتمع.
– ازدياد عدد المتعلمين عمومًا إضافة إلى المتعلمين الكبار والمتفرغين جزئيًا في ظل مصادر محدودة.
– يمتلك الجيل الطلابي الجديد مهارات في الحوسبة واستخدام الشبكة العنكبوتية، وعلى الجامعات مقابلة حاجات الجيل القادم من المتعلمين من خلال زيادة مرونة التعليم وجعله أقل اعتمادًا على متغيري الزمان والمكان.
– مقابلة التغيرات المتسارعة في بيئات العمل وما يتطلبه ذلك من مهارات متجددة مما يعني ازدياد الحاجة إلى التعليم عند الطلب.
– دعم الاتجاه المتنامي نحو مزيد من دمج التعليم والعمل من أجل سد الفجوة بين التعليم الرسمي والممارسة المهنية.
– تحسين عملية نقل المهارات والمعرفة والاتجاهات من التعليم الرسمي إلى موقع العمل لتهيئة الخريجين على نحو أفضل لمجتمع الغد الشبكي.
– تنمية مهارات التفكير العليا مثل مهارات حل المشكلة والتعلم الموّجه ذاتيًا والتفكير الناقد.. إلخ.
– انفتاح التعليم إلى ما وراء الحدود التقليدية والمحلية (عولمة التعليم)، وعلاقة ذلك بتنامي التنافس بين مؤسسات التعليم العالي ورغبتها في توصيل برامجها إلى خارج الحدود في محاولة لدخول سوق دولي في مجال التعليم العالي عبر الحدود.
– تنامي المنافسة بين الجامعات والقطاع الخاص في مجال التعليم والتدريب وتنمية المصادر البشرية، ومحاولة الجامعات المحافظة على موقع تنافسي في هذا المجال.
– توجيه اهتمام أكبر نحو إعداد الخريجين للمنافسة في سوق العمل الذي يتحول سريعًا من اقتصاد العمل إلى اقتصاد المعرفة.
– شح المصادر المادية والبشرية في ظل ضغوط ضخمة على الجامعات لتوسيع طاقتها الاستيعابية للطلاب يجعلها تفكر جديًا في بدائل اقتصادية وعملية. ومن هنا تبدو فكرة استثمار الإمكانات الكبيرة للتقنيات الجديدة بهدف تقليل كلفة التعليم الجامعي مغرية وجذابة، وفي الوقت نفسه محفّزة لمحاولة تحقيق معادلة الفاعلية- التكلفة Cost-Effectiveness، بمعنى تحقيق الفاعلية بأقل قدر من التكلفة.
– ظهور رؤى فلسفية وتربوية جديدة تنظر إلى المتعلمين في أدوار أكثر نشاطًا وتحكمًا في التعلم.
– اعتقاد بعض المهتمين بإمكانية تحسين جودة التعليم من خلال تطبيقات تقنية المعلومات والاتصال.
التعلم الإلكتروني عن بعد: الحالة العربية:
ظهرت في السنوات الأخيرة مبادرات عديدة للتعلم الإلكتروني الجامعي عن بعد في العالم العربي ومن أبرزها الجامعتان السورية والتونسية الافتراضيتان، وتجارب جامعات مفتوحة في مصر والجزائر والسودان وليبيا والإمارات العربية المتحدة وفلسطين، إضافة إلى الجامعة العربية المفتوحة.(10).
التعلم عن بعد: الحالة الخليجية:
وجهت دول مجلس التعاون الخليجي ولا تزال كثيرًا من جهودها لمجال التنمية الاجتماعية ومن بينها مجال التربية والتعليم والتدريب. ومع شعور هذه الدول بالحاجة إلى التوسع في توفير فرص التعليم الجامعي، وضرورة توظيف تقنية الاتصال والمعلومات في مجالات عديدة ومن بينها التعليم الجامعي الذي تزداد الحاجة له بشكل كبير، لذا أسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية «أمانة لجنة مسؤولي التعليم عن بعد بجامعات ومؤسسات التعليم العالي بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية» في عام (2000م) لدعم مبادرات التعلم الإلكتروني عن بعد في دول المجلس.
التعلم الإلكتروني عن بعد: الحالة السعودية: شعرت المملكة بحاجة ماسة لتوفير فرص التعليم الجامعي لآلاف من الطلبة، وضرورة مقابلة هذه الحاجة بأساليب عملية لتلبية الطلب المتزايد على التعليم الجامعي، ولذا أسست وزارة التعليم العالي قبل نحو عامين «المركز الوطني للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد»، بهدف دعم جهود الجامعات السعودية في هذا النوع من التعليم. وقد بدأت هذه الجامعات مبادرات في هذا المجال، ففي جامعات الملك سعود والملك فهد للبترول والمعادن، والملك فيصل، يدرس بعض الطلاب بعض المقررات الأساسية على الشبكة العنكبوتية، وأسست جامعات الملك عبدالعزيز، وأم القرى، والملك خالد، مراكز للتعليم عن بعد والتعليم الإلكتروني توفر بعض المحاضرات على الشبكة العنكبوتية. كما بدأت وكالة كليات البنات بوزارة التربية والتعليم مشروعًا طموحًا للتعليم عن بعد باستخدام نظام البث الفضائي (VSAT) لتعليم الطالبات عن بعد في أكثر من (100) كلية للبنات في أنحاء المملكة.
رغم أن التعليم عن بعد (بالمراسلة) بدأ مبكرًا (في السويد،1833م، وفي الولايات المتحدة،1883م)، ورغم نجاح بعض تطبيقات التعليم الجامعي المفتوح منذ عام 1969م (الجامعة البريطانية المفتوحة على سبيل المثال)، إلا أن السنوات العشر الأخيرة شهدت نموًا غير مسبوق في هذا النوع من التعليم. فعلى سبيل المثال، عقد في عام 1998م أكثر من (50) مؤتمرًا في التعليم عن بعد (1).
حتى سنوات قليلـة، لـم تكـن مفاهيم التعليم العالي بلا حدود، والمدينة الجامعية الإلكترونية، والجامعة الافتراضية، وجامعة الإنترنت وغيرها شائعة في أوساط التعليم الجامعي والعالي، ولكنها ظاهرة حديثة تزامنت مع النمو الضخم في إمكانات تقنية الاتصال والمعلومات، خصوصًا تقنية الإنترنت وتطبيقاتها على الشبكة العنكبوتية في أواسط وأواخر التسعينيات الميلادية من القرن الماضي(2).
ومع بزوغ عصر المعرفة، يمكن القول إن عصرًا جديدًا في تاريخ التعليم الجامعي قد بدأ. ففي عام 2000م درس أكثر من (70) مليون شخص في قطاعات التعليم والتدريب بوساطة الإنترنت(3). وفي عام 2001م قدمت كليات وجامعات وشركات في (130) دولة أكثر من (50.000) مقرر للتعليم عن بعد بأساليب متنوعة من بينها التعلم الإلكتروني(4). كما أن سوق التعليم عن بعد الذي يقدم درجات علمية بوساطة الإنترنت ينمو بنسبة (40%) سنويًا(5)، حتى الجامعات المرموقة بدأت تقدم برامج أكاديمية افتراضية. جامعة هارفارد، على سبيل المثال، حققت حوالي (150) مليون دولار من عائدات برنامج التعليم عن بعد الذي يخدم حوالي (60.000) طالب وطالبة متفرغين جزئيًا(6).
وتقدر مؤسسة البيانات الدولية أن حوالي مليوني طالب درسوا مقررات جامعية على الإنترنت في الولايات المتحـدة؛ ومن جهـة أخـرى، أسس الاتحـاد الأوروبي خطـة إلكترونيـة بعنـوان «جامعات القرن الحادي والعشرين»، وهي عبارة عن ائتلاف جامعات أوروبية لنقل التعليم الجامعي إلى الطلاب في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية رصد لها (13.3) بليون دولار(7).
مؤشرات نمو التعلم الإلكتروني الجامعي عن بعد:
تؤثر تقنية المعلومات والاتصالات (ICT) حاليًا بجميع أوجه النشاط البشري تقريبًا بما في ذلك مجالات التعليم والتدريب. ويبدو أن تأثير تقنية الاتصالات والمعلومات في هذه المجالات سيتعاظم في المستقبل بناءً على العديد من المؤشرات من بينها:
– ظهور العديد من مشاريع التعلم الإلكتروني عن بعد في المدارس والجامعات في العالم.
– تنامي الاستثمار في سوق التعلم الإلكتروني حيث يوجد آلاف المقررات الإلكترونية حول العالم يمكن أن يدرسها الفرد من المنزل(8).
– توقعات بنمو الاستثمارات في التدريب الإلكتروني من (6.6) بليون دولار في عام 2002م إلى حوالي (23.7) بليون دولار في عام 2007م(9).
– بروز ظاهرة الجامعة الافتراضية أو المدينة الجامعية الإلكترونية بنماذج تنظيمية مختلفة (ائتلاف، وسيط.. الخ)، ووجود عشرات الجامعات التقليدية التي تقدم تعليمًا إلكترونيًا عن بعد على المستويات المحلية والإقليمية والدولية(10)، (11).
حاليًا، ربما يصعب الإشارة إلى دولة ما في العالم أجمع تقريبًا لا يوجد فيها نوع أو آخر من أنظمة التعليم عن بعد، فقد انتشرت جامعات التعليم عن بعد والتعلم المفتوح والتعليم الافتراضي في أغلب الدول من أقصى العالم في أستراليا إلى آسيا وإفريقيا ومن أوروبا إلى الأمريكيتين. كما بدأت العديد من الجامعات تدعم إلزامية التوسع في استخدام تقنيات التعليم لتحسين التعليم وجهًا لوجه، وكذلك تقديم مقررات كاملة على الإنترنت، إضافة إلى أن عدد الطلاب الراغبين في الدراسة بوساطة الإنترنت ينمو بشكل كبير.
التأثير متعدد الأبعاد لتقنية الاتصال والمعلومات في التعليم الجامعي:
تشير الأدبيات ذات العلاقة إلى أن دور تقنية الاتصال والمعلومات في التعليم الجامعي سيكون له تأثير متعدد الأبعاد:
– الإتاحة عن بعد للمعلومات والمصادر البشرية والخدمات التربوية والتقنيات.
– الأكاديمية الرقمية، حيث أصبح التعليم في المدن الجامعية مزيجًا من محاضرات تقليدية، وعروض حاسوبية، ومفردات ومقررات على الشبكة العنكبوتية، وقراءات وواجبات ومصادر إلكترونية، إضافة لإنجاز عمليات التسجيل والحصول على السجل الأكاديمي بوسائل إلكترونية.
– إذابة الحدود الفاصلة بين التعليم في المدينة الجامعية والتعليم عن بعد، نظرًا لشيوع تطبيق مفهوم التعلم المرن، حيث تستخدم التقنيات في القاعات الدراسية من جهة، وجعل التعليم متاحًا في مواقع وأوقات مختلفة من جهة أخرى، مما يعني أن الحدود الفاصلة بين التعليم في المدينة الجامعية والتعليم عن بعد ستصبح أقل وضوحًا أو أكثر ضبابية.
– التكلفة الاقتصادية، حيث ينظر إلى دور تقنية الاتصال والمعلومات في تقليل التكلفة للساعة الدراسية من خلال تقليل عدد أعضاء هيئة التدريس، وتحسين الكفاءة في محاولة لمحاكاة نماذج الإدارة في قطاع الأعمال والصناعة، مثل مفهوم المنظمة الافتراضية.
– الشفافية الافتراضية، حيث تعمل تقنية الاتصال والمعلومات على جعل المناقشات الصفية ومفردات المقررات مرئية للعالم أجمع، رغم إمكانية حجبها من خلال جدران إلكترونية.
– ثقافة التقنيات الجديدة، فالتقنيات الحالية ليست محايدة بالنسبة للقيم كناقلات للحقائق والمعلومات، وإنما تحمل قيم ومعتقدات وأولويات منتجيها، مما يعني ضرورة المحافظة على التوازن بين الخصوصية الثقافية والثقافات الأخرى.
– حقوق الطبع والنشر والملكية الفكرية، حيث تشكل التطبيقات الجديدة للتعلم الإلكتروني تحديًا للنظام التقليدي الخاص بتلك الحقوق، فالاحتمال قائم لنقل نظام تعليمي مخصص لمجموعة معينة من المتعلمين إلى جمهور عريض.
– ازدياد المنافسة بين مؤسسات التعليم العالي وإعادة تعريف مكان التعلم، حيث إن توفير التعلم الإلكتروني في الجامعات التقليدية سيضعها في تنافس بعضها مع بعض ومع القطاع الخاص الذي يقدم برامج تعليم وتدريب تنافس ما يقدم في تلك الجامعات، مما يعني ضمنًا إعادة تشكيل جغرافية التعليم العالي، وإعادة تعريف مكان التعلم.
التعلم الإلكتروني الجامعي عن بعد بين أهداف تقليدية وأهداف جديدة:
تاريخيًا، استخدم التعليم عن بعد أساسًا لتوفير فرص التعليم الجامعي للكبار الذين لم يحصلوا عليها بسبب صعوبة انتظامهم في الدراسة في المدينة الجامعية نظرًا لظروف العمل أو البعد الجغرافي، وهذا يعني أن الأهداف التقليدية للتعليم عن بعد لم تكن أصلاً بديلًا عن التعليم وجها لوجه في قاعات الدراسة. حاليًا، يلحظ المتابع لمشاريع التعلم الإلكتروني عن بعد تغيرًا في توجهاته، ففي عصر المعرفة ازداد عدد الراغبين في التعلم الإلكتروني عن بعد ممن هم في عمر التعليم الجامعي (خريجي الثانوية) مما يعني أن الأهداف التقليدية للتعلم عن بعد تشهد تحولًا من إتاحة التعلم الجامعي للمتعلمين الكبار في مناطق نائية إلى أهداف تتعلق بتلبية حاجات سوق العمل وتحسين نوعية التعليم، وإتاحة الفرصة لجميع الراغبين في التعليم الجامعي. باختصار، لم تعد مبررات التعليم عن بعد هي ذاتها التي سيطرت في العقود الماضية وإنما أضيفت إليها أهداف جديدة حتمتها جملة من التحديات التي تمثل مبررًا كافيًا للمضي قدمًا في التعلم الإلكتروني عن بعد. أبرز هذه التحديات هي:
– التأثير الضخم لتقنية المعلومات والاتصال على خدمات عديدة في المجتمع.
– ازدياد عدد المتعلمين عمومًا إضافة إلى المتعلمين الكبار والمتفرغين جزئيًا في ظل مصادر محدودة.
– يمتلك الجيل الطلابي الجديد مهارات في الحوسبة واستخدام الشبكة العنكبوتية، وعلى الجامعات مقابلة حاجات الجيل القادم من المتعلمين من خلال زيادة مرونة التعليم وجعله أقل اعتمادًا على متغيري الزمان والمكان.
– مقابلة التغيرات المتسارعة في بيئات العمل وما يتطلبه ذلك من مهارات متجددة مما يعني ازدياد الحاجة إلى التعليم عند الطلب.
– دعم الاتجاه المتنامي نحو مزيد من دمج التعليم والعمل من أجل سد الفجوة بين التعليم الرسمي والممارسة المهنية.
– تحسين عملية نقل المهارات والمعرفة والاتجاهات من التعليم الرسمي إلى موقع العمل لتهيئة الخريجين على نحو أفضل لمجتمع الغد الشبكي.
– تنمية مهارات التفكير العليا مثل مهارات حل المشكلة والتعلم الموّجه ذاتيًا والتفكير الناقد.. إلخ.
– انفتاح التعليم إلى ما وراء الحدود التقليدية والمحلية (عولمة التعليم)، وعلاقة ذلك بتنامي التنافس بين مؤسسات التعليم العالي ورغبتها في توصيل برامجها إلى خارج الحدود في محاولة لدخول سوق دولي في مجال التعليم العالي عبر الحدود.
– تنامي المنافسة بين الجامعات والقطاع الخاص في مجال التعليم والتدريب وتنمية المصادر البشرية، ومحاولة الجامعات المحافظة على موقع تنافسي في هذا المجال.
– توجيه اهتمام أكبر نحو إعداد الخريجين للمنافسة في سوق العمل الذي يتحول سريعًا من اقتصاد العمل إلى اقتصاد المعرفة.
– شح المصادر المادية والبشرية في ظل ضغوط ضخمة على الجامعات لتوسيع طاقتها الاستيعابية للطلاب يجعلها تفكر جديًا في بدائل اقتصادية وعملية. ومن هنا تبدو فكرة استثمار الإمكانات الكبيرة للتقنيات الجديدة بهدف تقليل كلفة التعليم الجامعي مغرية وجذابة، وفي الوقت نفسه محفّزة لمحاولة تحقيق معادلة الفاعلية- التكلفة Cost-Effectiveness، بمعنى تحقيق الفاعلية بأقل قدر من التكلفة.
– ظهور رؤى فلسفية وتربوية جديدة تنظر إلى المتعلمين في أدوار أكثر نشاطًا وتحكمًا في التعلم.
– اعتقاد بعض المهتمين بإمكانية تحسين جودة التعليم من خلال تطبيقات تقنية المعلومات والاتصال.
التعلم الإلكتروني عن بعد: الحالة العربية:
ظهرت في السنوات الأخيرة مبادرات عديدة للتعلم الإلكتروني الجامعي عن بعد في العالم العربي ومن أبرزها الجامعتان السورية والتونسية الافتراضيتان، وتجارب جامعات مفتوحة في مصر والجزائر والسودان وليبيا والإمارات العربية المتحدة وفلسطين، إضافة إلى الجامعة العربية المفتوحة.(10).
التعلم عن بعد: الحالة الخليجية:
وجهت دول مجلس التعاون الخليجي ولا تزال كثيرًا من جهودها لمجال التنمية الاجتماعية ومن بينها مجال التربية والتعليم والتدريب. ومع شعور هذه الدول بالحاجة إلى التوسع في توفير فرص التعليم الجامعي، وضرورة توظيف تقنية الاتصال والمعلومات في مجالات عديدة ومن بينها التعليم الجامعي الذي تزداد الحاجة له بشكل كبير، لذا أسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية «أمانة لجنة مسؤولي التعليم عن بعد بجامعات ومؤسسات التعليم العالي بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية» في عام (2000م) لدعم مبادرات التعلم الإلكتروني عن بعد في دول المجلس.
التعلم الإلكتروني عن بعد: الحالة السعودية: شعرت المملكة بحاجة ماسة لتوفير فرص التعليم الجامعي لآلاف من الطلبة، وضرورة مقابلة هذه الحاجة بأساليب عملية لتلبية الطلب المتزايد على التعليم الجامعي، ولذا أسست وزارة التعليم العالي قبل نحو عامين «المركز الوطني للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد»، بهدف دعم جهود الجامعات السعودية في هذا النوع من التعليم. وقد بدأت هذه الجامعات مبادرات في هذا المجال، ففي جامعات الملك سعود والملك فهد للبترول والمعادن، والملك فيصل، يدرس بعض الطلاب بعض المقررات الأساسية على الشبكة العنكبوتية، وأسست جامعات الملك عبدالعزيز، وأم القرى، والملك خالد، مراكز للتعليم عن بعد والتعليم الإلكتروني توفر بعض المحاضرات على الشبكة العنكبوتية. كما بدأت وكالة كليات البنات بوزارة التربية والتعليم مشروعًا طموحًا للتعليم عن بعد باستخدام نظام البث الفضائي (VSAT) لتعليم الطالبات عن بعد في أكثر من (100) كلية للبنات في أنحاء المملكة.
المراجع :
1-Simnsons, M., Smaldino, S., Albright, M. & Zracek, S. (2000). Teaching and
Learning at a Distance: Foundations of Distance education. NJ.: Prentice Hall, Inc
2- Epper, R. M. & Garn, M. (2004). Virtual Universities: Real Possibilities. Educause Review, Vol. 39(2), 28-3
3-Morrison, D. (2003). E-Learning Strategies. England: John Wiley & Sons, Ltd
4-Dutton, W. H. and Loader, B. D.(2002). Introduction: New Media and Institutions of Higher Education. In: Williams H. Dutton and Brian D. Loader (ed.): Digital Academe Routledge: London,pp.1-32
5-Gallagher, S. & Newman A. (2002). Distance Learning at the Tipping: Critical
Success Factors to Growing Fully Online Distance Learning Programs.
(http://www.eduventures.com/pdf/distance.pdf). Retrieved: 24/11/2005
6-Janek, R. L. (2001). Virtual Learning is Becoming Realty. ERIC, (ED4568200)
7-Heeger, G. A. (2002). Building the Online Learning Enterprise UMUC (http://www.umuc.edu/president/addresses/building_online_enterprise.html). Retrieved: 12/10/2005
8-Spinks, J. A. (2006). Emerging Issues in the Quality Assurance of E-learning Programs and Institutions. Oman, Sultan Qaboos University: International Conference on Distance Education
9-EIU (The Economist Intelligence Unit) & IBM (2003). The 2003 e-Learning Readiness Ranking
10-الصالح، بدر بن عبدالله (2007م). التعليم الجامعي الافتراضي: دراسة مقارنة لجامعات عربية وأجنبية افتراضية مختارة.مجلة كليات المعلمين: العلوم التربوية، م(7)، ع(1).
11-الصالح، بدر بن عبدالله (2004م). المنظور العولمي لتقنية المعلومات والاتصال: مدى جاهزية الجامعات السعودية للتغيير. ورقة عمل: ندوة العولمة والتربية، كلية التربية/جامعة الملك سعود/الرياض.
12-الصالح، بدر بن عبدالله.(2006م) التعلم عن بعد: إشكالية النموذج. المؤتمر الدولي للتعلم عن بعد: مسقط/سلطنة عمان
المصدر : http://www.almarefh.org/news.php?action=show&id=32 1-Simnsons, M., Smaldino, S., Albright, M. & Zracek, S. (2000). Teaching and
Learning at a Distance: Foundations of Distance education. NJ.: Prentice Hall, Inc
2- Epper, R. M. & Garn, M. (2004). Virtual Universities: Real Possibilities. Educause Review, Vol. 39(2), 28-3
3-Morrison, D. (2003). E-Learning Strategies. England: John Wiley & Sons, Ltd
4-Dutton, W. H. and Loader, B. D.(2002). Introduction: New Media and Institutions of Higher Education. In: Williams H. Dutton and Brian D. Loader (ed.): Digital Academe Routledge: London,pp.1-32
5-Gallagher, S. & Newman A. (2002). Distance Learning at the Tipping: Critical
Success Factors to Growing Fully Online Distance Learning Programs.
(http://www.eduventures.com/pdf/distance.pdf). Retrieved: 24/11/2005
6-Janek, R. L. (2001). Virtual Learning is Becoming Realty. ERIC, (ED4568200)
7-Heeger, G. A. (2002). Building the Online Learning Enterprise UMUC (http://www.umuc.edu/president/addresses/building_online_enterprise.html). Retrieved: 12/10/2005
8-Spinks, J. A. (2006). Emerging Issues in the Quality Assurance of E-learning Programs and Institutions. Oman, Sultan Qaboos University: International Conference on Distance Education
9-EIU (The Economist Intelligence Unit) & IBM (2003). The 2003 e-Learning Readiness Ranking
10-الصالح، بدر بن عبدالله (2007م). التعليم الجامعي الافتراضي: دراسة مقارنة لجامعات عربية وأجنبية افتراضية مختارة.مجلة كليات المعلمين: العلوم التربوية، م(7)، ع(1).
11-الصالح، بدر بن عبدالله (2004م). المنظور العولمي لتقنية المعلومات والاتصال: مدى جاهزية الجامعات السعودية للتغيير. ورقة عمل: ندوة العولمة والتربية، كلية التربية/جامعة الملك سعود/الرياض.
12-الصالح، بدر بن عبدالله.(2006م) التعلم عن بعد: إشكالية النموذج. المؤتمر الدولي للتعلم عن بعد: مسقط/سلطنة عمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق